فصل: قال النسفي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



لأن الإسلام أعم من الإيمان.
وإطلاق العام على الخاص لا مانع منه فإذا سمي المؤمن مسلمًا، لا يدل على اتحاد مفهوميهما {وتركنا فيها} أي في مدينة قوم لوط {آية} أي عبرة {للذين يخافون العذاب الأليم} والمعنى تركنا فيها علامة للخائفين تدلهم على أن الله مهلكهم فيخافون مثل عذابهم قوله: {وفي موسى} أي وتركنا في إرسال موسى آية وعبرة {إذ أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين} أي حجة ظاهرة {فتولى} أي أعرض عن الإيمان {بركنه} أي بجمعه وجنوده الذين كان يتقوى بهم {وقال ساحر أو مجنون فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم} أي فأغرقناهم في البحر {وهو مليم} أي آت بما يلام عليه من دعوى الربوبية وتكذيب الرسل {وفي عاد} أي وفي إهلاك عاد أيضًا آية وعبرة {إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم} يعني التي لا خير فيها ولا بركة فلا تلقح شجرًا ولا تحمل مطرًا {ما تذر من شيء أتت عليه} أي من أنفسهم وأموالهم وأنعامهم {إلا جعلته كالرميم} أي كالشيء الهالك البالي وهو ما يبس وديس من نبات الأرض كالشجر والتبن ونحوه وأصله من رم العظم إذا بلي {وفي ثمود إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين} يعني إلى وقت انقضاء آجالهم وذلك أنهم لما عقروا الناقة قيل لهم: تمتعوا في داركم ثلاثة أيام.
{فعتوا عن أمر ربهم} أي تكبروا عن طاعة ربهم {فأخذتهم الصاعقة} أي بعد مضي ثلاثة أيام من بعد عقر الناقة وهي الموت في قول ابن عباس.
وقيل: أخذهم العذاب والصاعقة كل عذاب مهلك {وهم ينظرون} أي يرون ذلك العذاب عيانًا {فما استطاعوا من قيام} أي فما قاموا بعد نزول العذاب بهم ولا قدروا على نهوض من تلك الصرعة {وما كانوا منتصرين} أي ممتنعين منا وقيل: ما كانت عندهم قوة يمتنعون بها من أمر الله {وقوم نوح} قرىء بكسر الميم ومعناه وفي يوم نوح وقرىء بنصبها ومعناه: وأغرقنا قوم نوح {من قبل} أي من قبل هؤلاء وهم عاد وثمود وقوم فرعون {إنهم كانوا قومًا فاسقين} أي خارجين عن الطاعة.
قوله تعالى: {والسماء بنيناها بأيد} أي بقوة وقدرة {وإنا لموسعون} قيل: هو من السعة: أي أوسعنا السماء بحيث صارت الأرض وما يحيط بها من السماء والفضاء وبالنسبة إلى سعة السماء كالحلقة الملقاة في الفلاة وقال ابن عباس: معناه قادرون على بنائها كذلك وعنه لموسعون أي الرزق على خلقنا وقيل: معناه وإنا ذوو السعة والغنى {والأرض فرشناها} أي بسطناها ومهدناها لكم {فنعم الماهدون} أي نحن {ومن كل شيء خلقنا زوجين} أي صنفين ونوعين مختلفين كالسماء والأرض والشمس والقمر والليل والنهار والبر والبحر والسهل والجبل والصيف والشتاء والجن والإنس والذكر والأنثى والنور والظلمة والإيمان والكفر والسعادة والشقاوة والحق والباطل والحلو والمر والحامض {لعلكم تذكرون} أي فتعلمون أن خالق الأزواج فرد لا نظير له ولا شريك معه {ففروا إلى الله} أي: قل يا محمد ففروا إلى الله أي فاهربوا من عذابه إلى ثوابه بالإيمان والطاعة وقال ابن عباس ففروا منه إليه واعملوا بطاعته وقال سهل بن عبد الله ففروا مما سوى الله إلى الله {إني لكم منه نذير} أي مخوف {مبين} أي بين الرسالة بالحجة الظاهرة والمعجزة الباهرة والبرهان القاطع {ولا تجعلوا مع الله إلهًا آخر} أي وحدوه ولا تشركوا به شيئًا {إني لكم منه نذير مبين} قيل: إنما كرر قوله إني لكم منه نذير مبين عند الأمر بالطاعة والنهي عن الشرك ليعلم أن الإيمان لا ينفع إلا مع العمل كما أن العمل لا ينفع إلا مع الإيمان وأنه لا يفوز عند الله إلا الجامع بينهما.
{كذلك} أي كما كذبك قومك وقالوا ساحر أو مجنون كذلك {ما أتى الذين من قبلهم} أي من قبل كفار مكة والأمم الخالية {من رسول} يعني يدعوهم إلى الإيمان والطاعة {إلا قالوا ساحر أو مجنون} قال الله تعالى: {أتواصوا به} أي أوصى أولهم آخرهم وبعضهم بعضًا بالتكذيب وتواطؤوا عليه وفيه توبيخ لهم {بل هم قوم طاغون} أي لم يتواصلوا بهذا القول لأنهم لم يتلاقوا على زمان واحد بل جمعتهم على ذلك علة واحدة وهي الطغيان وهو الحامل لهم على ذلك القول {فتولَّ عنهم} أي أعرض عنهم {فما أنت بملوم} أي لا لوم عليك فقد أديت الرسالة وبذلت المجهود وما قصرت فيما أمرت به.
قال المفسرون: لما نزلت هذه الآية حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم واشتد على أصحابه وظنوا أن الوحي قد انقطع وأن العذاب قد حضر إذ أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يتولى عنهم فأنزل الله: {وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين} فطابت نفوسهم بذلك والمعنى عظ بالقرآن كفار مكة فإن الذكرى تنفع من علم الله أنه يؤمن منهم وقيل: معناه عظ بالقرآن من آمن من قومك فإن الذكرى تنفعهم.
قوله: {وما خلقت الجن والإنس} أي من المؤمنين {إلا ليعبدون} قيل هذا خاص بأهل طاعته من الفريقين يدل عليه قراءة ابن عباس {وما خلقت الجن والإنس من المؤمنين إلا ليعبدون} وقيل: معناه وما خلقت السعداء من الجن والإنس إلا لعبادتي والأشقياء منهم إلا لمعصيتي وهو ما جبلوا عليه من الشقاوة والسعادة.
وقال علي بن أبي طالب إلا ليعبدون أي إلا لآمرهم أن يعبدوني وأدعوهم إلى عبادتي.
وقيل: معناه إلا ليعرفوني وهذا حسن لأنه لو لم يخلقهم لم يعرف وجوده وتوحيده.
وقيل: معناه إلا ليخضعوا لي ويتذللوا لأن معنى العبادة في اللغة التذلل والانقياد وكل مخلوق من الجن والإنس خاضع لقضاء الله متذلل للمشيئة لا يملك أحد لنفسه خروجًا عما خلق له.
وقيل: معناه إلا ليوحدوني فأما المؤمن فيوحده اختيارًا في الشدة والرخاء وأما الكافر فيوحده اضطرارًا في الشدة والبلاء دون النعمة والرخاء {ما أريد منهم من رزق} أي ما أريد أن يرزقوا أحدًا من خلقي ولا أن يرزقوا أنفسهم لأني أنا الرزاق المتكفل لعبادي بالرزق القائم لكل نفس بما يقيمها من قوتها {وما أريد أن يطعمون} أي أن يطعموا أحدًا من خلقي وإنما أسند الإطعام إلى نفسه لأن الخلق كلهم عيال الله ومن أطعم عيال أحد فقد أطعمه لما صح من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله يقول يوم القيامة يا ابن آدم مرضت فلم تعدني قال يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال أما علمت أن عبدي فلانًا مرض فلم تعده أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني قال يا رب كيف أطعمك وأنت رب العالمين قال أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني قال: يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين قال استسقاك عبدي فلان فلم تسقه أما علمت أنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي».
{إن الله هو الرزاق} أي لجميع خلقه {ذو القوة المتين} يعني هو القوي الشديد المقتدر البليغ القوة والقدرة الذي لا يلحقه في أفعاله مشقة {فإن للذين ظلموا} أي من أهل مكة {ذنوبًا} أي نصيبًا من العذاب {مثل ذنوب أصحابهم} أي مثل نصيب أصحابهم الذين هلكوا من قوم نوح وعاد وثمود {فلا يستعجلون} أي بالعذاب لأنهم أخروا إلى يوم القيامة يدل عليه قوله: {فويل للذين كفروا من يومهم الذي يوعدون} يعني يوم القيامة وقيل: يوم بدر والله تعالى أعلم بمراده. اهـ.

.قال النسفي:

{والذريات}.
الرياح لأنها تذرو التراب وغيره، وبادغام التاء في الذال: حمزة وأبو عمرو {ذَرْوًا} مصدر والعامل فيه اسم الفاعل {فالحاملات} السحاب لأنها تحمل المطر {وِقرًا} مفعول الحاملات {فالجاريات} الفلك {يُسْرًا} جريًا ذا يسر أي ذا سهولة {فالمقسمات أَمْرًا} الملائكة لأنها تقسم الأمور من الأمطار والأرزاق وغيرهما، أو تفعل التقسيم مأمورة بذلك، أو تتولى تقسيم أمر العباد؛ فجبريل للغلظة، وميكائيل للرحمة، وملك الموت لقبض الأرواح، وإسرافيل للنفخ.
ويجوز أن يراد الرياح لا غير لأنها تنشيء السحاب وتقله وتصرفه وتجري في الجوّ جريًا سهلًا، وتقسم الأمطار بتصريف السحاب.
ومعنى الفاء على الأول أنه أقسم بالرياح فبالسحاب التي تسوقه فبالفلك التي تجريها بهبوبها، فبالملائكة التي تقسم الأرزاق بإذن الله من الأمطار وتجارات البحر ومنافعها.
وعلى الثاني أنها تبتديء في الهبوب فتذرو التراب والحصباء فتقل السحاب فتجري في الجوّ باسطة له فتقسم المطر {إِنَّمَا تُوعَدُونَ} جواب القسم و(ما) موصولة أو مصدرية والموعود البعث {لصادق} وعد صادق كعيشة راضية أي ذات رضا {وَإِنَّ الدين} الجزاء على الأعمال {لَوَاقِعٌ} لكائن.
{والسماء} هذا قسم آخر {ذَاتِ الحبك} الطرائق الحسنة مثل ما يظهر على الماء من هبوب الريح، وكذلك حبك الشعر آثار تثنيه وتكسره جمع حبيكة كطريقة وطرق.
ويقال: إن خلقة السماء كذلك.
وعن الحسن: حبكها نجومها جمع حباك {إِنَّكُمْ لَفِى قول مُّخْتَلِفٍ} أي قولهم في الرسول ساحر وشاعر ومجنون وفي القرآن سحر وشعر وأساطير الأولين {يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ} الضمير للقرآن أو الرسول أي يصرف عنه من صرف، الصرف الذي لا صرف أشد منه وأعظم، أو يصرف عنه من صرف في سابق علم الله أي علم فيما لم يزل أن مأفوك عن الحق لا يرعوي.
ويجوز أن يكون الضمير لما توعدون أو للدين، أقسم بالذاريات على أن وقوع أمر القيامة حق، ثم أقسم بالسماء على أنهم في قول مختلف في وقوعه فمنهم شاك ومنهم جاحد، ثم قال: يؤفك عن الإقرار بأمر القيامة من هو مأفوك {قُتِلَ} لعن وأصله الدعاء بالقتل والهلاك ثم جرى مجرى لعن {الخراصون} الكذابون المقدرون ما لا يصح وهم أصحاب القول المختلف، واللام إشارة إليهم كأنه قيل: قتل هؤلاء الخراصون {الذين هُمْ في غَمْرَةٍ} في جهل يغمرهم {ساهون} غافلون عما أمروا به.
{يَسْئَلُونَ} فيقولون {أَيَّانَ يَوْمُ الدين} أي متى يوم الجزاء وتقديره: أيان وقوع يوم الدين لأنه إنما تقع الأحيان ظروفًا للحدثان.
وانتصب اليوم الواقع في الجواب بفعل مضمر دل عليه السؤال أي يقع {يَوْمَ هُمْ عَلَى النار يُفْتَنُونَ} ويجوز أن يكون مفتوحًا لإضافته إلى غير متمكن وهو الجملة، ومحله نصب بالمضمر الذي هو يقع أو رفع على هو يوم هم على النار يفتنون يحرقون ويعذبون {ذُوقُواْ فِتْنَتَكُمْ} أي تقول لهم خزنة النار ذوقوا عذابكم وإحراقكم بالنار {هذا} مبتدأ خبره {الذى} أي هذا العذاب هو الذي {كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ} في الدنيا بقولكم.
{فأتنا بما تعدنا} ثم ذكر حال المؤمنين فقال.
{إِنَّ المتقين في جنات وَعُيُونٍ} أي وتكون العيون وهي الأنهار الجارية بحيث يرونها وتقع عليها أبصارهم لا أنهم فيها {ءاخِذِينَ مَآ ءاتاهم رَّبُّهُمْ} قابلين لكل ما أعطاهم من الثواب راضين به وآخذين حال من الضمير في الظرف وهو خبر إن {إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ} قبل دخول الجنة في الدنيا {مُحْسِنِينَ} قد أحسنوا أعمالهم وتفسير إحسانهم ما بعده.
{كَانُواْ قَلِيلًا مّن الليل مَا يَهْجَعُونَ} ينامون.
و(ما) مزيدة للتوكيد و{يَهْجَعُونَ} خبر {كَانَ} والمعنى كانوا يهجعون في طائفة قليلة من الليل، أو مصدرية والتقدير: كانوا قليلًا من الليل هجوعهم فيرتفع هجوعهم لكونه بدلًا من الواو في {كَانُواْ} لا ب {قَلِيلًا} لأنه صار موصوفًا بقوله: {مِّنَ الليل} خرج من شبه الفعل وعمله باعتبار المشابهة أي كان هجوعهم قليلًا من الليل، ولا يجوز أن تكون (ما) نافية على معنى أنهم لا يهجعون من الليل قليلًا ويحيونه كله لأن (ما) النافية لا يعمل ما بعدها فيما قبلها لا تقول: زيدًا ما ضربت {وبالأسحار هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} وصفهم بأنهم يحيون الليل متهجدين فإذا أسحروا أخذوا في الاستغفار كأنهم أسلفوا في ليلهم الجرائم، والسحر السدس الأخير من الليل {وَفِى أموالهم حَقٌّ لَّلسَّائِلِ} لمن يسأل لحاجته {والمحروم} أي الذي يتعرض ولا يسأل حياء.
{وَفِى الأرض ءايات} تدل على الصانع وقدرته وحكمته وتدبيره حيث هي مدحوة كالبساط لما فوقها، وفيها المسالك والفجاج للمتقلبين فيها وهي مجزأة؛ فمن سهل ومن جبل وصلبة ورخوة وعذاة وسبخة، وفيها عيون متفجرة ومعادن مفتنة ودواب منبثة مختلفة الصور والأشكال متباينة الهيئات والأفعال {لّلْمُوقِنِينَ} للموحدين الذين سلكوا الطريق السوي البرهاني الموصّل إلى المعرفة، فهم نظارون بعيون باصرة وأفهام نافذة كلما رأوا آية عرفوا وجه تأملها فازدادوا إيقانًا على إيقانهم {وَفِى أَنفُسِكُمْ} في حال ابتدائها وتنقلها من حال إلى حال، وفي بواطنها وظواهرها من عجائب الفطر وبدائع الخلق ما تتحير فيه الأذهان، وحسبك بالقلوب وما ركز فيها من العقول وبالألسن والنطق ومخارج الحروف وما في تركيبها وترتيبها ولطائفها من الآيات الساطعة والبينات القاطعة على حكمة مدبرها وصانعها مع الأسماء والأبصار والأطراف وسائر الجوارح وتأتيها لما خلقت له، وما سوى في الأعضاء من المفاصل للانعطاف والتثني فإنه إذا جسا منها شيء جاء العجز، وإذا استرخى أناخ الذل، فتبارك الله أحسن الخالقين.
وما قيل إن التقدير أفلا تبصرون في أنفسكم ضعيف لأنه يفضي إلى تقديم ما في حيز الاستفهام على حرف الاستفهام {أَفلاَ تُبْصِرُونَ} تنظرون نظر من يعتبر {وَفِى السماء رِزْقُكُمْ} أي المطر لأنه سبب الأقوات، وعن الحسن أنه كان إذا رأى السحاب قال لأصحابه: فيه والله رزقكم ولكنكم تحرمونه بخطاياكم {وَمَا تُوعَدُونَ} الجنة فهي على ظهر السماء السابعة تحت العرش، أو أراد أن ما ترزقونه في الدنيا وما توعدونه في العقبى كله مقدور مكتوب في السماء.
{فَوَرَبّ السماء والأرض إِنَّهُ لَحَقٌّ} الضمير يعود إلى الرزق أو إلى {مَّا تُوعَدُونَ} {مّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ} بالرفع: كوفي غير حفص صفة للحق أي حق مثل نطقكم، وغيرهم بالنصب أي إنه لحق حقًا مثل نطقكم، ويجوز أن يكون فتحًا لإضافته إلى غير متمكن و(ما) مزيدة.
وعن الأصمعي أنه قال: أقبلت من جامع البصرة فطلع أعرابي على قعود فقال: من الرجل؟ فقلت: من بني أصمع.
قال: من أين أقبلت؟ قلت: من موضع يتلى فيه كلام الله، قال: اتلو عليّ فتلوت {والذريات} فلما بلغت قوله: {وَفِى السماء رِزْقُكُمْ} قال: حسبك.
فقام إلى ناقته فنحرها ووزعها على من أقبل وأدبر وعمد إلى سيفه وقوسه فكسرهما وولى، فلما حججت مع الرشيد وطفقت أطوف فإذا أنا بمن يهتف بي بصوت رقيق، فالتفت فإذا أنا بالأعرابي قد نحل واصفر فسلم عليّ واستقرأ السورة، فلما بلغت الآية صاح وقال: {قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقًا} [الأعراف: 44] ثم قال: وهل غير هذا؟ فقرأت {فَوَرَبّ السماء والأرض إِنَّهُ لَحَقٌّ} فصاح وقال: يا سبحان الله من ذا الذي أغضب الجليل حتى حلف لم يصدقوه بقوله حتى حلف قالها ثلاثًا وخرجت معها نفسه.
{هَلُ أَتَاكَ} تفخيم للحديث وتنبيه على أنه ليس من علم رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما عرفه بالوحي وانتظامها بما قبلها باعتبار أنه قال: {وَفِى الأرض ءايات} وقال في آخر هذه القصة {وَتَرَكْنَا فِيهَا ءايَةً} {حديث ضَيْفِ إبراهيم} الضيف للواحد والجماعة كالصوم والزور لأنه في الأصل مصدر ضافه، وكانوا اثني عشر ملكًا.
وقيل: تسعة عاشرهم جبريل.
وجعلهم ضيفًا لأنهم كانوا في صورة الضيف حيث أضافهم إبراهيم أو لأنهم كانوا في حسبانه كذلك {المكرمين} عند الله لقوله: {بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ} [الأنبياء: 26] وقيل: لأنه خدمهم بنفسه وأخدمهم امرأته وعجل لهم القرى {إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ} نصب ب {المكرمين} إذا فسر بإكرام إبراهيم لهم وإلا فبإضمار اذكر {فَقالواْ سَلامًا} مصدر سادٌّ مسد الفعل مستغنى به عنه، وأصله نسلم عليكم سلامًا {قال سلام} أي عليكم سلام فهو مرفوع على الابتداء وخبره محذوف، والعدول إلى الرفع للدلالة على إثبات السلام كأنه قصد أن يحييهم بأحسن مما حيوه به أخذًا بأدب الله، وهذا أيضًا من إكرامه لهم.